أشرف عبادة من واحات تقرت إلى نجومية كأس العرب 2025
من رمال الصحراء إلى أضواء الملاعب
تبدو حكاية أشرف عبادة وكأنها فصل جميل من رواية كروية لا يريد جمهور الجزائر أن تنتهي. مدافع شاب خرج من قلب محافظة تقرت، بين الواحات والصحراء، يحمل حلمًا واحدًا: أن يرتدي قميص منتخب بلاده ويترك بصمته في الملاعب العربية.
اليوم، صار اسم عبادة حاضرًا بقوة في أحاديث الجماهير، بعد أن تحوّل من لاعب محلي في الدوري الجزائري إلى واحد من أبرز الوجوه الدفاعية في بطولة كأس العرب 2025، بفضل الروح القتالية والثبات الكبير الذي قدّمه مع منتخب “الخضر”.
البدايات.. كرة على الرمال وطموح بلا سقف
نشأ أشرف عبادة في بيئة بسيطة، حيث تكون كرة القدم هي المتنفس الأول للشباب. في شوارع تقرت وعلى رمالها، تعلّم كيف يدافع، وكيف يقرأ حركة المهاجم، وكيف يحوّل جسده إلى جدار يمنع الخصم من المرور.
شيئًا فشيئًا، بدأ اسمه يتداول بين مدربي الفئات السنية، حتى وجد طريقه إلى الأندية التي تمنحه فرصة اللعب في مسابقات قوية. كانت تجربته مع مولودية العلمة محطة مهمة لصقل شخصيته، فقد واجه منافسة حقيقية وضغطًا جماهيريًا مختلفًا عن أجواء الأحياء، وهناك تعلّم معنى الاستمرارية والانضباط.
جمعية الشلف.. المنعرج الحقيقي في مسيرته
المنعطف الأبرز في مشوار أشرف عبادة جاء عندما انتقل إلى جمعية الشلف. النادي الذي اعتاد أن يكون منصة لانطلاق العديد من المواهب، وجد في عبادة المدافع الذي يمكن الاعتماد عليه على المدى الطويل.
مع الشلف، سرعان ما تحوّل عبادة من لاعب قادم لتجربة جديدة، إلى ركيزة أساسية في الخط الخلفي.
ما ميّز أداءه في هذه المرحلة:
-
قوة بدنية واضحة في الالتحامات.
-
تفوق في الكرات الهوائية بفضل طول القامة وتمركزه الجيد.
-
هدوء في التعامل مع الضغط وقدرة على قراءة اللعب مبكرًا.
-
حضور ذهني عالٍ يجعله حاضرًا حتى آخر دقيقة من المباراة.
هذه الصفات جعلته واحدًا من أعمدة الفريق، وأسهمت في تعزيز صورته كمدافع موثوق، قادر على قيادة الخط الخلفي أمام أي منافس.
تجربة صعبة ثم ولادة جديدة
في مسيرة أي لاعب، هناك دائمًا لحظات اختبار حقيقية. بالنسبة لأشرف عبادة، كانت التجربة الصعبة حين انتقل إلى نادٍ كبير بحثًا عن خطوة جديدة في مسيرته، قبل أن يجد نفسه خارج الحسابات في وقت مبكر.
قرار فسخ العقد كان صادمًا بلا شك، لكنه تحوّل إلى دافع إضافي بالنسبة له. عاد إلى جمعية الشلف وسط تساؤلات وشكوك من بعض الجماهير، لكن رده كان في الملعب فقط: مستوى ثابت، تركيز عالٍ، وإصرار على إثبات أن ما حدث كان مجرد تعثر عابر لا أكثر.
تلك المرحلة صنعت شخصية أشرف عبادة الحقيقية؛ لاعب لا ينهار أمام الانتقادات أو القرارات القاسية، بل يحوّلها إلى طاقة إيجابية تعيد بناء مسيرته من جديد.
كأس العرب 2025.. البطولة التي غيرت كل شيء
جاءت بطولة كأس العرب 2025 لتضع اسم أشرف عبادة في دائرة الضوء العربي. استدعاؤه لقائمة منتخب الجزائر لم يكن مجرد مكافأة على مستواه مع جمعية الشلف، بل كان اعترافًا بأنه بات جاهزًا لحمل مسؤولية الدفاع عن ألوان بلاده في بطولة تُتابَع عربيًا بشكل واسع.
في الدوحة، ظهر عبادة بثقة كبيرة، وكأنه يلعب منذ سنوات على هذا المستوى من الضغط. تدخلاته القوية، تمركزه السليم، وتعامله الهادئ مع المهاجمين، كلها تفاصيل جعلت الجماهير تشيد به وتعتبره من مفاجآت المنتخب في البطولة.
خلال مباريات دور المجموعات، قدّم صورة المدافع العصري:
-
لا يكتفي بقطع الكرات، بل يشارك في بناء اللعب من الخلف.
-
يعتمد على التوقع والقراءة أكثر من التهور والاندفاع.
-
يحافظ على تركيزه طوال المباراة، دون مجازفات غير محسوبة.
هذا الأداء جعل اسمه يتردد بكثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبره كثيرون واحدًا من أبرز مكاسب الجزائر في كأس العرب 2025.
من المحلية إلى الاهتمام العربي
قبل البطولة، كان اسم أشرف عبادة معروفًا أكثر لدى متابعي الدوري الجزائري وجماهير جمعية الشلف. لكن بعد كأس العرب، تغيّرت الصورة تمامًا، وأصبح اللاعب تحت مجهر متابعي الكرة العربية، بل وبدأت التكهنات حول احتمال انتقاله إلى نادٍ عربي كبير إذا استمر في الحفاظ على نفس النسق.
هذا الاهتمام المتزايد يعكس حقيقة مهمة: أن المدافع الشاب تجاوز مرحلة إثبات الذات محليًا، ودخل في مرحلة جديدة، عنوانها القدرة على المنافسة في مستويات أعلى، سواء في بطولات قارية أو دوريات عربية أكثر قوة وانتشارًا.
رحلة ما زالت في بدايتها
رغم كل هذا التوهج، يبدو أن رحلة أشرف عبادة لا تزال في فصلها الأول. فاللاعب يمتلك من العمر والخبرة ما يسمح له بالتطور أكثر، خاصة إذا استمر في العمل بنفس الجدية والهدوء، وحافظ على تواضعه وتركيزه.
قصة عبادة تلخّص مسار لاعب بدأ من بيئة بسيطة في قلب الصحراء، ثم صعد درجة بعد أخرى حتى وصل إلى تمثيل بلاده والتألق في واحدة من أبرز البطولات العربية. وهي قصة تلهم الكثير من اللاعبين الشباب في الجزائر والعالم العربي، وتؤكد أن الإصرار يمكنه أن يحول أحلام الملاعب الرملية إلى حقيقة على العشب الأخضر.
وبين واحات تقرت وسماء الدوحة، يواصل أشرف عبادة كتابة فصول جديدة من حكاية مدافع جزائري لا يعرف معنى التوقف، ولا يزال يفتح أبوابًا أوسع لمستقبل يبدو واعدًا بكل المقاييس.




